الرئيسية / الاقتصاد العالمي / العبث الأميركي بالتجارة ومنظمتها العالمية

العبث الأميركي بالتجارة ومنظمتها العالمية

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 03-09-2018
  • 99
العبث الأميركي بالتجارة ومنظمتها العالمية
  • المصدر: العربي الجديد

تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرا بانسحاب بلاده من عضوية منظمة التجارة العالمية، واتهامها بأنها تعمل لصالح الصين ضد الولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، يعكس حالة من الاستهتار الأميركي بمكونات النظام الاقتصادي العالمي.

وتحاول الإدارة الأميركية في عهد ترامب تجاهل التغيرات التي تشهدها خريطة القوى الاقتصادية على مستوى العالم، وأنه لم يعد بمقدور واشنطن أن تأمر فتطاع، فميزان القوى قد تغير.

فوجهة نظر أميركا أن على الجميع أن ينطوي تحت عباءتها، للخروج من مشكلاتها الاقتصادية، وأنها تُغلب لغة المصالح القطرية الضيقة على مصالح باقي شركاء المحيط الاقتصادي العالمي.

ولكن تهديد أميركا قد يواجه بتضامن عالمي لبقاء المنظمة والعمل في إطارها، وبخاصة أن المتضررين من السياسات الأميركية هذه المرة، عدد كبير من الدول، أو يمكن القول بأن الجميع متضرر من سياسات واشنطن، لاسيما الصين واليابان والاتحاد الأوروبي والمكسيك وكندا، وتركيا والهند، وغيرها من الدول.

وحسب البيانات الحكومية الأميركية، فإن إجمالي التجارة الخارجية للولايات المتحدة مع العالم بلغ بنهاية عام 2017 نحو 3.8 تريليونات دولار، بصافي عجز 796 مليار دولار، وتمثل التجارة الخارجية لأميركا نسبة تقترب من 13% من إجمالي التجارة العالمية. وعن الشهور الستة الأولى من 2018، بلغت قيمة التجارة الخارجية الأميركية مع العالم 2.06 تريليون دولار، وبعجز 404 مليارات دولار.

فماذا لو انسحبت أميركا من منظمة التجارة العالمية؟ بلا شك أن أميركا مازالت دولة لها وجودها على خريطة القوى الاقتصادية العالمية، حيث تساهم بنحو 23% من الناتج المحلي العالمي، ونحو 13% من قيمة التجارة العالمية.

ولكن لا بد من معرفة أن خروج أميركا من عضوية منظمة التجارة العالمية لا يعني تجميد عمل المنظمة، أو أن أميركا يمكنها الاستغناء عن التعاملات الخارجية مع باقي دول العالم.

فعضوية منظمة التجارة العالمية تضم 164 دولة حتى منتصف عام 2016، وبالتالي سوف تحرص باقي الدول على بقاء المنظمة والعمل في إطارها، وبخاصة أن مصالح باقي الدول تتحقق من بقاء المنظمة وممارسة عملها.

وبطبيعة الحال سوف تجد أميركا نفسها أمام خريطة جديدة لتعاملاتها التجارية مع باقي دول العالم، من رسوم جمركية جديدة، بل ووجود عوائق أخرى غير جمركية، لتعوض تلك الدول خسارتها من الإجراءات التي اتخذتها ضدها أميركا.

ولا بد من أن نأخذ في الاعتبار أن طبيعة النظام الرأسمالي في أميركا وبخاصة منذ بداية التسعينيات وضع تصوراته وخطط عمله في إطار اقتصاد مفتوح، وعلى حرية التجارة، وأن تراجع الاقتصاد العالمي عن أهم آلياته وهي حرية التجارة سوف يكبد أميركا تكاليف مادية، كان بداياتها ما دفعته الولايات المتحدة مؤخرا للمتضررين بقطاع الصادرات الزراعية الأميركية بنحو 5 مليارات دولار، نتيجة الرسوم الجمركية المرتفعة التي رفعتها الصين على صادرات هؤلاء المزارعين.

وكانت أميركا قد رصدت في وقت سابق نحو 12 مليار دولار لتعويض قطاعها الزراعي نتيجة ما ستواجهه الصادرات الزراعية الأميركية من رسوم جمركية من قبل الصين وغيرها من الدول.

وعلى الإدارة الأميركية أن تستوعب أن تصريحات ترامب أو تهديده بالخروج من منظمة التجارة العالمية، تترتب عليه أثار مختلفة، عما اتخذه ترامب ونفذه بخصوص اتفاقية المناخ، فالأمر في حالة اتفاقية المناخ كان بمثابة دعم مالي، ومعظم المنضمين للاتفاقية والحريصين عليها من الدول المتقدمة، بينما الوضع مختلف في حالة منظمة التجارة العالمية، حيث هناك نحو 164 دولة (ما بين دول متقدمة، وصاعدة، ونامية) ترتبط مصالحها بوجود منظمة التجارة العالمية.

أميركا ومنظمة التجارة

في نهاية الأربعينيات من القرن العشرين، انطلقت الدعوة لوجود مؤسسات تنظم شؤون التجارة العالمية، بعد النجاح في إيجاد مؤسستي البنك والصندوق الدوليين، ولم تحظ هذه الدعوة لميلاد تلك المنظمة الخاصة بالتجارة لعدم حصولها على التأييد الأميركي، وكان الاسم المقترح لها آنذاك "منظمة التجارة الدولية".

وظلت تلك الرغبة الدولية حبيسة الأدراج، إلى أن رأت أميركا مع بداية التسعينيات أهمية وجود هذه المنظمة، بعد أن تفردت بسيادة النظام الاقتصادي العالمي الذي تسيره الرأسمالية، وأميركا على وجه الخصوص، وسيطرة النظام الأحادى القطبية على النظام العالمي كله، بتفرد أميركا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي آنذاك.

على مدار الفترة من 1990 – 1994 ظلت أميركا تُرغب العديد من الدول النامية للدفع بميلاد "منظمة التجارة العالمية" حيث انتهت جولة مراكش في ديسمبر/كانون الأول 1994 بالموافقة خلال مفاوضات اتفاقيات الغات، على ميلاد المنظمة في الشهر ذاته من العام 1995، وكانت أميركا قد قدمت للدول النامية وعودا مع الاتحاد الأوروبي تتلخص في أمرين مهمين، الأول خاص بالسعي في نقل التكنولوجيا من الدول المتقدمة للدول النامية، وكذلك رفع الدعم عن القطاع الزراعي بأميركا والاتحاد الأوروبي، لسهولة دخول المنتجات الزراعية للدول النامية إلى كل من أميركا والاتحاد الأوروبي.

ولكن بعد أكثر من عقدين من الزمن تبخرت تلك الوعود، ولم تجن الدول النامية، سوى السراب، وخسارة العديد من الأوضاع الخاصة باقتصادياتتها المتعلقة بدعم قطاعات مهمة مثل الصناعة والزراعة، والقبول بحرية التجارة، بينما كانت الدول النامية تأمل في تجارة عادلة، وليس تجارة حرة.


بين الحرية والحماية

في الوقت الذي تريد فيه أميركا إرجاع حركة التجارة الدولية إلى الوراء، ودفع العالم نحو حماية التجارة، نجد أن باقي الشركاء الرئيسيين في التجارة العالمية يدافعون عن حرية التجارة، وليس ذلك من دافع أيديولوجي فقط، ولكن نتيجة لما دُفع من قبل هذه الدول لكي تؤهل اقتصادياتها للدخول في اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، فثمة فاتورة كبيرة دُفعت من إلغاء الجمارك على واردات تلك الدول بنسب كبيرة، وكذلك تأهيل لقطاعات الصناعة والزراعة لتواكب واقع المنافسة الدولية، والسماح للقطاع الخاص الأجنبي بمنافسة القطاع الخاص الوطني، والعمل على أرضية مشتركة داخل الاقتصاديات النامية والصاعدة، على الرغم من اختلاف الإمكانيات.

لقد لعبت أميركا دورا كبيرا في انضمام بعض الدول لمنظمة التجارة العالمية، ومن بينها روسيا والصين، وفي العادة كانت هذه الدول تدفع ثمنا سياسيا لصالح أميركا في ملفات إقليمية ودولية.

هذه السطور ليست دفاعا عن منظمة التجارة العالمية، ولا تبنياً لأجندتها فيما يتعلق بتنفيذ اتفاقياتها، ولكن من قبيل التنبيه لخطورة ما يمكن أن يؤدي إليه التطبيق العملي لتهديدات ترامب، من انتقال التجارة العالمية من حالة استقرار، تتعلق بأدواتها وإجراءاتها إلى حالة من الفوضى، أو الحماية التي يعود أثرها السلبي على عدد كبير من سكان الكرة الأرضية.

ولذلك نجد أن مؤسسات دولية مثل البنك والصندوق الدوليين يرفضان سياسات أميركا فيما يتعلق بحماية التجارة، ويدعوان لاستمرار المفاوضات بين أميركا وباقي الدول المختلفة معها فيما يتعلق بفرض رسوم جمركية جديدة من قبل أميركا.

وتؤكد هذه المؤسسات على أن صالح الاقتصاد العالمي في بقاء حرية التجارة، لأن ذلك جزء من منظومة الرأسمالية العالمية التي تهيمن على مقدرات الاقتصاد العالمي منذ ما يزيد على ثلاثة عقود.

لم يكن موقف مجموعة العشرين، باستثناء أميركا، مختلفا عن موقف البنك والصندوق الدوليين، فمجموعة العشرين تتوحد في موقفها تجاه حرية التجارة ضد التصرفات الأميركية، وإن كانت واشنطن عملت على فشل المحادثات التي دارت مؤخرا في اجتماعات المجموعة بهذا الخصوص.